ومن يصالحكم مع القوات الشعبية؟
مزاكان نيوز _ سليمان الريسوني
في المصالحة بين الاتحاديين، التي أطلقها إدريس لشكر أخيرا، أو تلك التي أطلقها سابقا، لماذا لا نجد الأطراف المتخاصمة تصالح، إلى جانب الأشخاص،الأفكار و المبادئ، مع أن كل الذين كانوا يغادرون سفينة الاتحاد كانواينعتون قيادة الحزب بتحريف أفكاره والخروج عن مبادئه؟ في 2001، غادر محمد نوبير الأموي الاتحاد، وأسس حزبا أسند رئاسته إلى الدكتور عبد المجيد بوزوبع، الذي سيخرج بتصريح يقول فيه إن الاتحاد، مع عبد الرحمان اليوسفي،أصبح حزبا مخزنيا. وفي 2013، عاد الدكتور بوزوبع إلى الحضن الذي غادره قبل 12 سنة، دون أن يقدم أي توضيح حول ما إذا كان الاتحادالاشتراكي قد تعافى من مخزنيته، أم إن لوثةالمخزن أصابته هو الآخر بعدانفصاله عن الأموي،ومروره من تجمع «G8» إلى جانب أحزاب الإدارة.تجربة أخرى عاشها الحزب مع عبد الكريم بنعتيق،الذي انسلَّ بصمت من قلب الجلبة التي شهدها الاتحاد، مع نهاية تجربة التناوب، وأسس حزبا أطلق عبره نقاشا فكريا حول الاشتراكية والطبقة العاملةوالعدالة الاجتماعية… لكن، سرعان ما نضب معينه الفكري والمالي، فعاد إلى الاتحاد الاشتراكي رفقةأسماء فاوض على وجودها في أجهزة الحزب القيادية، ضمنها شخص وقف، خلال دورة للمجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي، يشيد بالمعطي بوعبيد، ويثني على مبادئه ومواقفه، وهو يقصد عبدالرحيم الذي اعتُقل في 1981، وكاد حزبه أن يحل حين كان المعطي بوعبيد وزير أول
عندما أتأمل الحملة التي يطلقها الحزب الآن، وتلك التي عرفها في 2013، على ضوء العنوان العريض: «جمع شمل العائلة الاتحادية»، أجد بالفعل أن مايحدث داخل هذا الحزب من مصالحة، شبيه، إل حد كبير، بالمصالحات التي تقع بين الأقارب داخل العائلات على قاعدة: «اللحم يلا خنز كيهزوه مواليه»، والحال أن الأفراد في الأحزاب والمنظمات المدنية لا تربطهم روابط الدم التي لا تنفرط بتناقض الأفكار والقيم، حيث يتعايش في العائلةنفسها اللص والورع، بل روابط الأفكار والمبادئ والنضالات التي لا شيء غيرها يجمع الأفراد داخل الأحزاب. أما إذا أصبح الحزب يجمع حامل المشروع المجتمعي بحامل الطموح التسلقي الانتهازي، فإنه يتحول من حزب إلى طائفة«Sect». والحقيقة أنةعملية تحويل أحزاب الحركة الوطنية إلى طوائفةسياسية مغلقة جرت مبكرا، بفعل تعطيل آليات المراقبة والمحاسبة إزاء الأعضاء المشاركين في المجالس المنتخبة. ومرارا، كنا نسمع مسؤولين في هذه الأحزاب يتحدثون عن رئيس جماعة من حزبهم،يثار اسمه في قضايا فساد مالي، بالقول: «نعم، فلان ذمته المالية ليست صافية، لكن ما يجعلنا نتشبث به هو أنه اتحادي أو استقلالي أو تقدمي.. مخزز، وكيموت على الحزب». هكذا دخلت الأحزاب الديمقراطية في مصالحة دائمة مع الفساد والفاسدين، الذين تضخموا وتوسعت قاعدتهم، شيئا فشيئا،وكان متوقعا أن يخرج الحي من الميت(خروج الساسي ورفاقه، مثلا، من الاتحاد)، ويخرج الميت من الحي (وصول الفاسدين أو محترفي الانتخابات، مثلا، إلى قيادات الأحزاب التاريخية).
وللإجابة عن سؤال المنطلق: لماذا لا نجد الأطرافةالاتحادية المتخاصمة تصالح، إلى جانب الأشخاص،الأفكاروالمبادئ؟ يجب أن نحدد، بداية، ماهيةالأفكار الاتحادية. فهل يمكن، تفاديا لأي تيه،ةاختزالها في فكرتين مركزيتين هما الاشتراكيةو الديمقراطية؟ نعم، طالما استحضرنا أن تصورات الحزب وحساسياته حول هاتين الفكرتين بقيت مرنةومفتوحة على النقاش، بدءًا من مؤتمر 1975 الذيتحدث تقريره الإيديولوجي عن «الاشتراكيةالعلمية» و«الثورة الديمقراطية الوطنية»، وصولاوإلى الطريقة التوافقية (اللاديمقراطية) التي دخل بها الحزب إلى حكومةالتناوب التي اضطلعت بعمليةخوصصة (لااشتراكية) واسعة. لذلك أرى أن الشيءالذي من المفترض ألا يتغير في مسار تغيرات الاتحاد الاشتراكي، ويجب اعتماده معيارا للحكم على مدى «استقامة» أو «انحراف» قيادةالحزب،هو مبدأ استقلاليته في اتخاذ قراراته.
وبالعودة إلى الانسحابات التي شهدها الحزب تحت قيادة إدريس لشكر، نجد أن أبرزها (انسحابةمجموعة أحمد الزايدي) كان بمبرر أن الحزب فقد استقلالية قراره الداخلي الذي ألحق بالقرار المركزي للدولة.
لقد أعرب الكثير من الاتحاديين، بعد وصول إدريس لشكر إلى منصب الكاتب الأول للحزب في دجنبر2012، عن أن الاتحاد الاشتراكي في طريقه إلى أنةيصبح حزبا إداريا. ولعل أبلغ من عبر عن ذلك هوعبد الهادي خيرات، الذي قال إن إدريس لشكر انتهى يوم قبل الاستوزار بالطريقة التي دخل بها حكومةعباس الفاسي في يناير 2010؛ بعدما كان لشكر يدعو حزبه إلى الانسحاب من هذه الحكومة،وتشكيل جبهة وطنية ديمقراطية مع العدالةوالتنميةلمواجهة الأصالة والمعاصرة، قبل أن يفاجئ قيادة حزبه –دون العودة إليها– بدخول الحكومة نفسها التي كان يدعوإلى الخروج منها، بدعم من مؤسس البام، كما قيل حينها.
والحالة هذه، فإن المصالحة التي يعرفها الاتحادالاشتراكي، اليوم، قد تصالح وجوها مع وجوه، لكنها لن تصالح الحزب مع مبادئه وأفكاره، كما لن تصالحه مع القوات الشعبية، لأن مصالحة من هذا النوع تقتضي، بالضرورة،خصومة مع القيادة الحالية ..
تعليقات 0