مزاكان نيوز

ذاكرة مدينة الجديدة التاريخية والعمرانية …عمارة كوهين بين إهمال المسؤولين و«أطماع» المنعشين العقاريين‎

مزاكان نيوز _أبو ملاك 

لا يسعني  إلا أن أندب مع النادبين وأتحسر مع الباكين المتحسرين، الذين ليس لهم من حيلة سوى التفرج والشكوى ولطم الخدين، تأسفا وتحسرا على ما يجري بحق التراث التاريخي لمدينة الجديدة ، والذين ليس لهم أي حول أو نفوذ، سوى محبة وثنية صادقة وعميقة لهذه الحاضرة، 

وأن أفعل مثل فعل النائحات والنائحين في التذكير بهذه المعلمة المعتدى عليها ..، وأن أصرخ عاليا في وجه الأوصياء على هذا التراث بهذه البلدة، علا شأنهم أو صغر، لأقول لهم كفاكم إهمالا واستهتارا وعبثا بالتراث المعماري والتاريخي لهذه الارض السعيدة  …

معالم مزاغان  الأثرية وواقع الإهمال والتخريب
إنها مدينة الجديدة واحدة من  أعرق مدن المملكة، المُخْتَلَف في تاريخ نشأتها وتفسير اسمها، و التي تقف أسوارها شاهدة على ماض مجيد، تضم العديد من المآثر التاريخية  التي تشهد على تاريخها العريق، تروي قصة حضارات ضربت بجذورها في عمق النشأة الأولى للإنسان المزاغاني، تجسدها العديد من المعالم التاريخية التي ليست مجرد شواهد حجرية صامتة، وليست قطعا من الفسيفساء المتراصة أو العملات المطمورة، ولكنها رموز متأصلة من تاريخ المدينة والمنطقة في بعدها الحضاري والتاريخي السحيق، تغرس جذورها عميقا في مجاهل التاريخ، وهي رمز هوية المدينة .
هاهي اليوم تعيش فصلا غريبا من فصول إعدام تاريخها الضارب في أعماق التاريخ، حيث ما زالت بعض معالمها الأثرية التاريخية صامدة في وجه التعرية البشرية والطبيعية، وبعضها الآخر آخذ في الاندثار والتلاشي،و المسؤولون على اختلاف مشاربهم بالمدينة  وبوزارة الثقافة والسياحة والمجالس المنتخبة يتنصلون من مسؤولية الترميم والإصلاح بداعي التكاليف الباهظة لذلك، والنتيجة أن أغلب المواقع الأثرية التاريخية والسياحية بمدينة الجديدة  تشكو من التهميش الصارخ، وتعاني من أعمال الهدم المتواصلة نتيجة الإهمال لمواقعها التاريخية وغياب برامج الصيانة والترميم، ولعل أبرزها ما تتعرض له عمارة الكوهين بساحة الحنصالي ، هذه المعلمة التاريخية التي طبقت شهرتها الآفاق، ولازالت حتى الآن تحتفظ بصورها العديد من البطائق البريدية التي تعود للفترة الإستعمارية الفرنسية، هي واحدة من فنون العمارة الفريدة من نوعها بالمغرب، يطالها الاهمال و التهميش ، وهي التي صمدت منذ عقود، في محاولة لاسْدَال الستار على معلمة تاريخية أخرى في ظل صمت الجميع.

تشكل عمارة كوهين – الواقعة بساحة الحنصالي- رمزا لفن العمارة الحديث لمعمار عهد الحماية الفرنسية في مزاغان ( الجديدة ). و قد تميزت الهندسة المعمارية لهذه البناية بمزيج من الأنماط المعمارية التي يتميز جمالها بالنمط االفرنسي/العربي الجديد – النمط العقلاني.

و قد احتضنت هذه العمارة الفريدة من نوعها، التي  بناها مئير كوهين سنة 1914 ، مكتب للبريد و التلغراف. وهي من النسيج المعماري التاريخي و المعالم الأثرية وذاكرة وطنية مهددة بالاندثار، نتيجة التقادم و المضاربات التجارية و اللامبالاة.

لقد تم التخطيط مع سبق الاصرار و منذ زمان لهذه الوضعية السلبية التي تتواجد بها هذه المعلمة التاريخية وكأنها هيكل بلا روح. فقد عانت من انعدام الصيانة، إلى درجة أن تشققت الجدران وتصدعت بعض أركانها… و هذا كله أمام صمت مطبق من طرف السلطات و المجلس الجماعي و مندوبية وزارة الثقافة، بالرغم من أن وزيري الثقافة السيدين محمد بن عيسى و محمد الأشعري كانا طلبا من المسؤولين و خصوصا المجلس البلدي بحيازة هذه العمارة التاريخية و تحوليها إلى متحف.

إن هذه المعلمة  تعتبر الى جانب السوق المركزي (مارشي سنطرال ) و مقر المقاطعة التانية بشارع محمد السادس و مقر الامن الاقليمي سابقا بشارع نابل و بريد المغرب و العمارة التي يتواجد بها مقر غرفة التجارةو الصناعة بشارع الرافعي وغيرها تعتبر عنصر من عناصر الذاكرة التاريخية لمدينة الجديدة  تعاني الانهيار والاندثار و الهدم الممنهج في أية لحظة مثل عمارة كوهين التي من المفروض تحويلها إلى متحف وطني للبريد. لكن مؤخرا، هناك من يريد هدمها كلية واستبدالها ببناية جديدة بل اصبحت بين انياب وحوش العقار بالمدينة..

مزغان أو المهدومة أو الجديدة  تشكل اليوم رهانا ثقافيا وعلميا زاخرا يستدعي الالتفاتة إليه والوعي به والعمل لصالحه، في أفق رفع حالة الهامش وإدماج مكونات المدينة في نسق وانشغال أكاديمي ومعرفي لن يكون إلا مفيدا ومقدما لها ولحاضرها ومستقبل أجيالها.