عندما خاطب أرسلان العامل عرفة بقوله : “الجديدة ديالي انا العمدة”
مزاكان نيوز _ عبد الله غيتومي
وشمت ذاكرة الجديدة بأسماء شخصيات ساهمت، من زوايا مختلفة، في كتابة حقبة مهمة من تاريخ المدينة والإقليم، وكان لها الفضل في ترك آثار مادية تشهد لها بالمساهمة في صنع تحولات هامة على المشهد العام لعاصمة دكالة.
وكما ظلت تلك الشخصيات حية وباستمرار في وجدان الأهالي، استمر عشق أماكن عديدة بالمدينة يسكن قلوبهم، لأنها بحمولة تاريخية وبرمزية كبيرة حتى وإن نالت منها عوادي الزمن، فإنه حق فيها قول الشاعر: “تلك آثارنا تدل علينا… فانظروا بعدنا إلى الآثار”.
تصدى للاتحاديين ووصفهم بـ بوصفير واعتبر الاشتراكية شركا بالله
كثير من الناس لم يكتب لهم التعرف على محمد أرسلان الجديدي، النقابي والوزير وزعيم الحزب الوطني الديمقراطي، بل كل ما يعرفونه عنه مجموعة من النكت التي تداولوها في ما بينهم زمنا طويلا، معتقدين أن الرجل أمي ولم يسبق له التمدرس أبدا.
لكن الحقيقة عكس ذلك، فمحمد أرسلان الجديدي يتحدر من منطقة “الغربية”، وازداد بالجديدة في 1926، وانتقل إلى الرباط وتخرج أستاذا للغة الفرنسية وعين مدرسا لها بأكادير، واجتاز في ما بعد مباراة لولوج وظيفة بالمكتب الشريف للفوسفاط بخريبكة، وهناك أظهر ميولات نضالية جعلت المحجوب بن الصديق يضمه إلى صفوف الاتحاد المغربي للشغل، إذ قاد إضرابات صاخبة أقلقت النظام، وهو ما جعل الدولة تفكر في ضمه إلى صفوفها لما عينه الراحل الحسن الثاني مندوبا ساميا للإنعاش الوطني، ثم وزيرا للشبيبة والرياضة، ووزيرا للشغل والتكوين المهني في حكومة كان يقودها الراحل محمد كريم العمراني.
وعندما صار عبد الكريم الخطيب، رئيس المجلس البلدي للجديدة، مقلقا للدولة بسبب ميولاته الإسلامية، سلطت عليه أرسلان ورشحته في انتخابات 1976 مع الأحرار، كما أنه تصدى للاتحاديين، وكان لونهم هو الأصفر، فلم يتورع عن القول، في تجمع انتخابي قرب محكمة السدد، “حنا جينا نجلبو لبوصفير”، واصفا الاشتراكية بأنها الشرك بالله.
وتمكن أرسلان من سحق الخطيب في معركة انتخابية حامية الوطيس وترأس المجلس البلدي خلال الفترة من 1976 إلى 1983، وفي 1979، وبإيعاز من إدريس البصري، انشق عن أحمد عصمان وأسس الحزب الوطني الديمقراطي.
في 1983، انهزم أرسلان في الانتخابات البلدية أمام الطاهر المصمودي، في ما يعرف بواقعة رمي الورقة البرتقالية للاتحاد الدستوري على الجديدة بواسطة الطائرة، لكنه فاز بمقعد نيابي في 1984 بأولاد افرج، وكان من المساندين لملتمس الرقابة الذي تقدم به الاتحاديون لحجب الثقة عن الحكومة، لكن البصري نجح، في الأنفاس الأخيرة، في جر أرسلان إلى جانب الحكومة، عندما قال كلمة شهيرة بمجلس النواب “في الحقيقة، ساندتكم أنا وحزبي لإسقاط الحكومة، ولما اطلعت على ملتمسكم، فهو خاوي ما يطيح حتى مقدم ديال حومة”.
وانتظر أرسلان حلول انتخابات 1992 وختم حملته بميناء الجديدة بقولته الشهيرة “إن المصمودي وأصحابه دخلوا البلدية “فلالس” وخرجوا منها بيبي”، في إشارة منه إلى اغتنائهم. وصوتت له الجديدة بأغلبية ساحقة أعادته إلى رئاسة البلدية ليكون، لحد الآن، السياسي الوحيد الذي ترأس البلدية مرتين.
دفعه مرضه للاستقرار بالرباط وتراجعت شعبيته لصالح المصطفى الكثيري، الذي فاز عليه في الانتخابات البرلمانية المباشرة في 1993، لكنه ضمن مقعده ضمن الثلث غير المباشر في السنة نفسها.
كان أرسلان صلبا في تدخلاته ومتشددا في انتمائه للبادية. ففي اجتماع انعقد 8 غشت 1995 بمقر العمالة كان يحضره لامين بن عمر، وزير السكنى آنذاك، تناول الكلمة العامل أحمد عرفة للترحيب بالوزير والوفد المرافق له والحاضرين، فقاطعه أرسلان “واسي العامل الجديدة ديالي ماشي ديالك. وأنا العمدة وأنا لي نرحب بيهم ماشي أنت”.
وتمكن الرجل من تحقيق مكتسبات لصالح الجديدة والإقليم، منها جامعة شعيب الدكالي، والمركز التربوي الجهوي، ومصحة الضمان الاجتماعي، والمدرسة الفندقية، ومعهد التكنولوجيا التطبيقية.
ولما اشتد به المرض ظل يعالج بأمر من المغفور له الحسن الثاني، وفوض أمور تسيير البلدية لنائبه المصطفى لغنيمي، إلى أن وافته المنية في 1999 باليوسفية بالرباط ودفن بها في جنازة مهيبة تليق بالرجل وتاريخه.
تعليقات 0