كلب مروض يكشف قاتل فقيه بالوليدية
في الكثير من الأحيان تستعصي على المحققين، عملية فك لغز جرائم يبدو منذ الوهلة الأولى أنه خطط لها بدقة ونفذت بإحكام، وكثيرا ما اتخذ البحث مسارات متعددة، واستغرق مددا طويلة وفي أحيان عديدة تحفظ مساطر بحث ضد مجهولين، في انتظار أن تجود الأيام بخيط رفيع قد يكون ذلك المسلك الصحيح للوصول إلى الفاعلين، لكن يبقى دور “الكلاب المروضة” مهما في كشف المستور وتمكين المحققين من الوصول إلى أهدافهم وفي أقصر الطرق. ذلك ما سنتابعه في هذه القصة البوليسية.
استيقظ دوار أولاد هلال التابع ترابيا لجماعة الوليدية ، ذات صباح باكر على ولولة وصياح فلاح متقدم في الشيخوخة، تحديد بعض من أهل الدوار المذكور مذعورين، وأحاطوا به من كل جانب بينما ظل هو يشير بأصبعه إلى مكان به آثار ” توفري” وهو بناء قديم كان يسخر لأغراض خزن منتوجات فلاحية، وأضحى مهجورا منذ فترة ليست بالقصيرة. استجمع الشيخ أنفاسه وقال بصوت متقطع، إنه بينما هو كما عادته كلما استيقظ باكرا، يتجول من مكان إلى آخر في ملكيته، قادته رجلاه إلى ذلك المكان المهجور، ولاح له أول مرة مع الظلام شيء أبيض اللون، اعتقد في البداية أنه كيس مواد فلاحية أخفاه أحد الأغيار.
ورغبة في استطلاع الأمر اقترب منه أكثر ، قبل أن يتراجع أمام هول المنظر الذي عاينه، ويتعلق بجثة رجل على رأسه حجر كبير، تسبب له في جروح بالغة نزفت منها دماء كثيرة، وعلى عنقه حبل بلاستيكي ملفوف بإحكام.
كشف هوية القتيل
اقترب شاب من أهل الدوار من الجثة وأمعن فيها النظر كثيرا، وعاد يصيح “جثة الفقيه الله يرحمه” وزاد لقد خنق بحبل وسددت له ضربة قوية على الرأس.
ظل ذلك هو السؤال الذي يتردد بقوة بالمكان مسرح الجريمة، وعلى خلفية ذلك تم ربط الاتصال بشيخ القبيلة الذي أخبر قائد الوليدية، وتولى بدوره ربط الاتصال بمركز الدرك الملكي بالوليدية الذي لا يبعد إلا بستة كيلومترات.
الدرك بمسرح الجريمة
عشر دقائق كانت كافية لوصول سيارتين للدرك الملكي، واحدة منهما مسيجة كان بها كلب أسود اللون. لما ترجل خمسة من الدركيين، أبعدوا أول الأمر فضوليين عن “التوفري” مسرح الجريمة، الذين حصنوه بالشريط الخاص بذلك، قبل أن يدلفوا إلى حيث الجثة، سألوا عن أول من عثر عليها، فتقدم عندهم الشيخ سالف الذكر وكرر على مسامعهم تفاصيل الرواية التي سردها على أهل الدوار.
استمع المحققون إلى شهادات البعض من الحاضرين، فأفادوا أن الأمر يتعلق بجثة “فقيه” حافظ للقرآن يتحدر من الزمامرة، دأب على التنقل بين دواوير منها دوار أولاد هلال، سعيا وراء عطايا وإكراميات تشكل مورد رزقه للإنفاق على أسرته المكونة من زوجة وثلاثة أطفال.ولم يتلق الدركيون أي معلومات أخرى إضافية بشأن من تكون له عداوة مع الفقيه الضحية، واتجه الظن أن يكون قيد حياته يقوم بأفعال سحر وشعوذة، وهو ما اتفق جميع الحاضرين على نفيه قطعا.فك اللغزبينما تيقن المحققون من عدم جدوى ما طرحوه من أسئلة، انتقلوا إلى الوسيلة الأخرى لعلها تسعفهم بالحل. أمر ” لاجودان ” من أحد عناصره بإنزال “الكلب المروض” من السيارة المسيجة، ولما أطلقه انطلق مسرعا إلى حيث مكان الجثة، ثم تحرك جيئة وذهابا بكل أرجاء “التوفري”، وعاد يجري بسرعة في إشارة منه أنه استجمع رائحة من كان بالمكان، واتجه إلى وجهة دكان على الطريق وتبعه المكلف به، وارتمى على شاب في العقد الثالث من عمره، وملأ المكان نباحا فهم منه أنه يعطي لمروضه إشارة قوية أن المعني بالأمر، كان بالمكان مسرح الجريمة وأنه يتعين إيقافه والبحث معه في سبب وجوده.فقد الشاب توازنه أمام محاصرة الكلب له، وتلعثم في الكلام وهو يرد عن بعض أسئلة المحققين، وأفاد أنه ابن للشيخ الفلاح الذي يمتلك “التوفري”، وأنه يعرف الفقيه الضحية لتردده على الدوار، لكن اتضح من أجوبته وتغير أحواله، أنه يضمر شيئا تحاشى البوح به، وما هي إلا لحظات حتى تم إركابه سيارة الدرك وكانت الوجهة مركز درك الوليدية، لحصة إضافية من الاستنطاق الضروري في مثل هذه الجرائم، بينما كانت والدته تبكي وتصرخ “الباطل يحرق”.بمركز الدرك المذكور لم يستطع الشاب تكذيب ما توصل إليه “الكلب المروض” ولم يبرر بالشكل المقنع وجود رائحته بمسرح الجريمة، علما أنه نفى نفيا قاطعا أن يكون وصل إلى هناك، وفي لحظة انهيار باح بالحقيقة كاملة، وصرح أنه خطط لقتل الفقيه والاستيلاء على ما لديه من مال، وانتظر نزوله في ذلك الصباح الباكر من سيارة أجرة، وجره إلى حيث المبنى الخالي، وهناك أسقطه وخنق أنفاسه بحبل، وسدد له ضربة بحجر كبير على الرأس، وفتشه فلم يجد عنده سوى 10 دراهم .
عبد الله غيتومي (الجديدة)
تعليقات 0