مكالمات تكشف قاتلة متقاعد بحي المطار بالجديدة
استيقظ حي المطار ذات صباح في عز جائحة كورونا على وقع جريمة قتل متقاعد، عثر عليه جثة مضرجة في الدماء بمنزل شقيقة زوجته، واستنفر ذلك فريق تحقيق بقيادة المراقب العام المصطفى رمحان، وسلك البحث مجموعة من المسالك لفك لغز هذه الجريمة، وظهر منذ البداية أنها نفذت باحترافية، واستغرق قرابة أسبوع لوضع اليد على أربعينية قادها طمع أعمى لتصفية الضحية وسرقة بعض من حاجياته ضمنها هاتفه.
لم يكن من عادة القتيل البالغ من العمر 67 سنة ولم يمض على تقاعده من عمله بالوظيفة العمومية إلا نزر يسير من الوقت، والمتزوج وله أبناء، حيث يقطن بسيدي بنور ودأب على تمضية بعض الوقت بشقة مملوكة لشقيقة زوجته المقيمة بديار المهجر، إطالة الغياب عن بيت الزوجية أوعدم الرد عن المكالمات الهاتفية الواردة على هاتفه المحمول، لكن في فاتح أبريل 2021، خالف المعتاد وظل هاتفه يرن من اتصال كان مصدره ولده البكر الذي كان يشتغل بإحدى شركات الأمن الخاص بالجديدة، دون أن يرد عليه فكان ذلك بداية شك وريبة استبدا بالابن، الذي استعجل الزمن وبحث عنه في كل الأماكن التي كان يتردد عليها قيد حياته، لكن دون جدوى، فقرر أن تكون الوجهة هذه المرة شقة خالته بحي المطار، ويعرف أن والده يقضي فيها بعض الوقت كلما حل بالجديدة لغرض من الأغراض أو للاستراحة.
وعلى خلفية ذلك قصد الشقة سالفة الذكر وقرع جرسها عدة مرات دون أن يتلقى ردا من الداخل، ولأنه كان يتوفر على نسخة من المفاتيح، فتح بابها ودلف مسرعا إلى الداخل، ولما وصل غرفة النوم راعه مشهد والده وعلى رأسه ضربة يرجح أنها بأداة حادة ودماء غزيرة سالت من جرح غائر بمؤخرة رأسه، أكد تشريح طبي في وقت لاحق، أمرت به النيابة العامة باستئنافية الجديدة، أنها الضربة التي أزهقت روح الضحية.
إخطار الأمن وبداية البحث
في البداية وقف الابن مشدوها أمام هول ما حصل لوالده، وبعد أن تمالك أعصابه خرج مسرعا إلى أسفل العمارة، حيث تحلق حوله بعض من قاطنيها، وقام أحدهم بربط الاتصال بـ”مقدم” الحي الذي أخطر قائد المقاطعة الحضرية الثالثة التي يتبع إليها مسرح الجريمة، وبدوره أشعر المصلحة الإقليمية للشرطة القضائية التي حل أفرادها على عجل مدعومين بفرقة مسرح الجريمة، ووسط حشد كبير من الفضوليين دلفوا إلى داخل العمارة، حيث بدأ شوط من البحث بحضور ابن الضحية الذي كان أول من اكتشف الجريمة، وكان بذلك أول المستجوبين حول ظروف وجود والده بالشقة، وعن سؤال أجاب بأن باب الشقة لم يكن مفتوحا بالعنف أوالكسر، ما ولد لدى فريق البحث أن الجاني كان يرافق الضحية ومن معارفه.
وبعد سلسلة من البحث جاء الدور على حارس العمارة الذي أكد أنه شاهد الضحية قبل ليلة من مقتله، يلج الباب الرئيسي للعمارة منفردا ولم يكن برفقته أحد، كما أنه لم يشاهد غريبا عن العمارة، التي لم تكن مزودة بنظام مراقبة بالكاميرا، وهو ما جعل مهمة المحققين تبدو منذ أول وهلة عسيرة وشاقة، ويتطلب فك لغز هذه الجريمة معابر متعددة انطلاقا من محيط العائلة والمقربين.
كشف مكالمات … خيط رفيع
استعان المحققون بمجموعة من إفادات الجوار، حيث أكدت على مشاهدة امرأة غريبة عن العمارة قصيرة القامة نحيفة البنية، خرجت مسرعة من العمارة قبل أن تمتطي سيارة أجرة صغيرة.
هي إفادة لم تكن كافية تماما للوصول إلى الفاعل الحقيقي، وبعد تفقد هاتف الضحية تأكد أنه سرق منه بعد تصفيته، فلم يكن هناك بد من الاستعانة بكشف من شركة اتصالات، يفصل في كل المكالمات التي تلقاها الضحية أو أجراها من رقم ندائه في الوقت السابق لمصرعه، وانتبه المحققون إلى رقم تكرر كثيرا، حيث طلبوا تفاصيل عن مالكه، وكان يخص امرأة تقطن بدوار القرية بسيدي بنور، ولأجل معلومات أكثر تنقل فريق أمني إلى حيث تقطن المشكوك في أمرها، وبوصوله دلهم عون سلطة عليها، وكان الأمر يتعلق بامرأة نحيفة وقصيرة القامة، تنطبق ملامحها على الأوصاف السابقة، وهو ما فرض أخذها إلى الجديدة، حيث المقر الإقليمي للضابطة القضائية من أجل استنطاقها.
بوح وتمثيل الجريمة
طوقها المحققون بمجموعة من الأسئلة وباتصالاتها المتكررة على هاتف الضحية، فانهارت معترفة أنها تعرفه بسيدي بنور وأنها ضربت معه موعدا للحاق به بالشقة مسرح الجريمة لقضاء ليلة بها.
وأنها لما حضرت في الموعد وسوس لها الشيطان، تحت ضغط فقرها وحاجتها إلى المال، بفكرة استغفال الضحية في عز نومه والإجهاز عليه وسلبه ما كان بحوزته من مال وهاتف محمول.
وعلى خلفية ذلك قامت بتمثيل فصول جريمتها النكراء، في مشهدين الأول لما كانت تجالس الضحية وبعد تأكدها أنه انغمس في نوم عميق، والثاني لما استعانت بغطاء مرحاض، هوت به على رأس الضحية حد الموت، واستولت على مبلغ من المال وهاتفه وانتظرت حتى الصباح، حيث تسللت من باب العمارة الرئيسي، وبعد شوط من المحاكمة عوقبت بثلاثين سنة سجنا نافذا.
عبد الله غيتومي
تعليقات 0