حكايات و اعترافات قديمة، تاريخ لأبطال مدينة الجديدة

11 فبراير 2021 - 11:27 ص

مزاكان نيوز _ البشير بوخيرات

يقال إن كل شيء في المهدومة، الإسم القديم لمدينة الجديدة، له أثر وله تاريخ، شوارع و أسواق ومساجد و مدارس وقلاع، حتى الديور الكبيرة و أهلها.. وفي الملاح، حينما تتجول في أبراجه العتيقة، تستحضرني العديد من الحكايات والقصص التي سأرويها لكم لتأريخ ماض يقوي مناعة أصحابه و يقتل سما من حاول محوه من ذاكرة عاصمة دكالة.
وضمن حكايات شوارع و دروب مدينتنا لوحات تعريفية لأهم رجال الجديدة و الأماكن التراثية التي يحاول البعض مسحها من خريطة المدينة . و من أبرز تلك المعالم شارع المقاوم محمد التوفاني ولد السِّي ادريس، ابن حي لالة زهرة الذي مات شهيدا برصاصة مسدس مسيو بِّيريس، الذي غيِّر إسم مدرسته بمدرسة ابن رشيق القيرواني. ويعد شارع محمد التوفاني و حي لالة زهرة من أبرز الشوارع التاريخية في الجديدة حاليا، ويحتضن العديد من الأسماء الرياضية و الثقافية والفنية.

حومة لالة زهرة وغضبان أميرجيوشها

من حوش لالة زهرة الذي يتوسط طريق العشرين و نهج التحرير إلى شارع “محمد التوفاني” هناك لائحة طويلة و عريضة لأولاد لالة زهرة اللذين اشتهروا بشجاعتهم و بدفاعهم عن أبناء الحومة، فمنهم من دخل في صفوف الجندية و منهم دخل في صفوف البحرية الملكية، و منهم من تقاعد و منهم من قضى نحبه و من لازال قيد الحياة.
و لا زال لم يمح من ذاكرتي مشهدان كنت فيهما شاهد عيان بداية السبعينات المشهد الأول عندما دخل التلفاز ذو اللونين الٱبيض و الأسود أول مقهى قبالة كرمة بوشريط نهاية شارع محمد التوفاني، مقهى أولاد الحاج حجي، كانت تشتغل فقط ليلة السبت حيث تبث السهرة الأسبوعية، كنا نجلس على طوابير خشبية، و كأنا في المطعم المدرسي، ثمن الدخول 3 دراهم و مشروب قنينة صغيرة لمونادا كوكا أو فانتا بدون كأس بالمجان من التاسعة ليلا إلى منتصف الليل، و في إحدى السهرات دخل قوة إلى المقهى عبدالقادر بِّيبّٰا بزي البحرية العسكرية في حالة عربدة و جر بيده الخيط الكهربائي الموصل الحرارة إلى التلفاز و بدأ يزرع الرعب في المتفرجين، و لم يجد صاحب المقهى سوى التنقل إلى مقر الشرطة للإخبار، و ما هي إلا دقائق حتى وقفت صطافيت الأمن، نوع الفراكة، إلى عين المكان و نزل منها شرطيان بالزي الأمني، الزاوية و فارس، محاولين تخويف عبدالقادر بِّيبّٰا لإقتياده إلى مخفر الشرطة. فالعكس هو ما حصل فلقد خاف الشرطيان من قوة و شجاعة عبدالقادر بِّيبّٰا، الذي أقسم بأن لا يشعل التلفاز، الشيء الذي اضطر من خلاله الشرطيان للرجوع إلى مقر الشرطة للإستعانة بالشرطة السرية. و ما هي ألا لحظات حتى امتلأت المقهى بكل بوليس مدينة الجديدة لتطويق المكان و لاقتياد عبدالقادر بِّيبّٰا على متن سيارة الشرطة، حاولوا استعمال العنف معه أكثر من مرة فلم يفلحوا، و في الأخير بدأوا يستعملون الأسلوب السلمي على أساس أنهم سيأخذونه على متن سيارتهم إلى مقر سكناه، و ما إن وصل معهم باب خروج المقهى بدأوا يتهيأون لادخاله صطافيت فسمع صوت يقول ‘ احذر إنهم يكذبون عليك ‘، و بسماع عبدالقادر بِّيبّٰا هذا التحذير و بأعلى صوته رد قائلا ‘ و الله لن أثيق فيهم ‘ و بسرعة حاولوا حمله على أكتافهم كنعش ليرموه بداخل صطافيت إلا أنه و بقوته المعهودة جعل أصابعه في عيون الشرطيين و رجليه على باب صطافيت ثم بكل قواه دفع برجليه إلى الوراء إلى ٱن انقلبت سيارة الشرطة و انفلت من قبضة الشرطيين و لاذ بالفرار. و بذلك انتهت سهرتنا ليلتئذ، و في الصباح سمعنا في الحومة بأن رجال الدرك الملكي بسيارتهم اقتادوه و سلموه للبحرية الملكية حيث قضى عقوبة العصيان و السكر العلني.
أما المشهد الثاني بطله ‘ هانتوزا ‘ الذي كان يقطن بالقرب من حانوت الحاج مصطفى السكليس و دار ‘ اشليحة ‘ ، ‘ هانتوزا ‘ هذا ابن دربنا كان ذا بنية جسمانية قوية، أسمر اللون، دائما يصفف شعره بالسيشوار، ولوع بالرقص شبيه بالمغني ‘ جامس ابراون ‘ المعروف بصيحاته القوية ، علاوة على كونه عاشق الملاكمة، حائز على مجموعة من الجوائز في حفلات عيد الشباب، إلا أنه كان مشاغبا، ثوريا، لا يرضى بأن يشتمه أحد. مرة سمعت في كل أرجاء حومة لالة زهرة بأن سيارة الشرطة أمام دار ‘ هانتوزا ‘ و البوليس تفتش عليه، فكنت واحدا من اللذين كانوا شهودا على هذا المشهد السيلفرصطالوني. ‘ هانتوزا ‘ بصدره العاري، مفتول العضلات، من أعلى السطح يقذف البوليس بالحجر و يشتم المتجمهرين أمام الدار. و فجأة خرج عاريا حافي القدمين فارّا من الدار بين دروب الحومة و البوليس و سيارتهم تجري من ورائه و لا أحد أوقفه، كان ‘ هانتوزا ‘ يقف على رأس كل درب جابه جريا و يقوم بحركات يستفز بها البوليس اللذين خافوا من الإقتراب منه. الشيء الذي دفع بأحد البوليس إلى إشهار سلاحه الوظيفي لتخويفه، و لما فطن ‘ هانتوزا ‘ بأن القضية أصبح فيها سلاح، فرَّ في اتجاه مقبرة سيدي بوافي المجاورة لمدرسة بِّريس ‘ ابن رشيق القيرواني ‘ و البوليس يجري من ورائه إلى أن نقز الحائط و اختبأ في قبر بين أموات المقبرة. و لما عجز البوليس عن الدخول إلى المقبرة و تفتيش القبور، قام الشرطي المشهر للسلاح بضرب يده على كفه مرجعا مسدسه إلى مكانه، و كأنه كان يلعب دور ‘ كلينت إيستيود ‘ في أفلام رعاة البقر. و كنت لأول مرة أرى البوليس تشهر مسدسا و تجري على بطل من أبطال حومة لالة زهرة في مشهد مزج بين الأفلام البوليسية و أفلام الكوبوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!