ماشي سنترال بالجديدة “الشوهة”
لم يعد “مارشي سنترال” بقلب الجديدة، ذلك المكان الجذاب الذي يقصده أهلها والزوار، والذي يذكر بماض جميل يحيل على تعايش ديانات، ولا حتى زمن قريب يغري بتذوق أسماك طرية من مصايد بالشريط البحري الممتد من سيدي بو النعايم حتى أولاد غانم..
كل شيء تغير نحو الأسوأ عندما امتدت أيادي العبث، مغيرة جمالية “المارشي” بتعديلات، فقدت معها مصلحة الممتلكات ببلدية الجديدة، بوصلة تتبع “تفويتات غير قانونية”. نحن في رحاب مساحة تجارية عمرها 92 سنة، لا تتوفر على واد حار ولا مراحيض، مليئة بالأزبال والقطط والكلاب، ومرتع سكارى يعاقرون الخمر كلما أسدل الليل ستاره…
شيء من التاريخ
بوسط “المارشي” لوحة بمثابة شهادة ميلاده، مكتوب عليها أسود على أبيض، أنه بتاريخ 1932 تفضل “روني مورو” الذي كان يشغل في ذلك الوقت، منصب رئيس للأشغال البلدية برفقة مواطنه كريل المهندس البلدي، بتدشين “مارشي سنترال” إيذانا بفتحه في وجه أجانب الجديدة.كان تشييد “المارشي” رغبة من السلطات الفرنسية في توفير مساحة تجارية لرعاياها القاطنين بالجديدة، وقر رأيها أن يكون بدرب الضاية المتاخم للقلعة، غير بعيد عن حي بلاطو الراقي الذي كانت به فيلات يسكنها فرنسيون يشتغلون في قطاعات كثيرة وأساسا في التدريس.
وكان “المارشي” غير مقتصر فقط على بيع الأسماك، بل كل ما يحتاجه الأجانب وبه محلات لبيع المشروبات الكحولية، فيما كانت الواجهة الخارجية لـ “المارشي”، عبارة عن أقواس جميلة يعرض فيها أهل البادية منتوجاتهم من دجاج وبيض وزبادي وغيرها، يحدث ذلك كل صباح إلى الزوال وبعدها تتم عملية تنظيف المجال استعدادا لصباح جديد.
وكان “المارشي” يقدم خدماته لمغاربة من علية القوم، قبل أن يباح للعموم نهاية ثمانينات القرن الماضي.طغيان العشوائية بعد الاستقلال حافظ “المارشي” على بعض خاصياته، وظل يلبي حاجيات فرنسيين استمروا بالجديدة يؤدون مهامهم، لأن بلادنا لم تكن بعد انخرطت بشكل كبير في “مغربة” الأطر، واستمر الحال حتى مشارف تسعينات القرن الماضي، لما شد الأجانب الرحال نحو أوربا، تاركين بناية تاريخية تشهد أنهم مروا ذات أيام من هنا.
وفي الوقت الذي ساد الاعتقاد أن “مارشي سنترال” الذي انتقلت بقوة القانون ملكيته إلى بلدية الجديدة، ستتم المحافظة عليه بالتصميم والجمالية نفسها، كانت معاول العشوائية أعتى لما امتدت إليه محدثة تغييرات، ضربت جماليته في الصميم وذلك كله بمباركة من منتخبين وأخرى في غفلة من قسمي الممتلكات بالبلدية والتعمير..
تعديلات مهددة لسلامة الناس
باقتراب 2000 نحت بناية “المارشي” بشكل فظيع نحو تعديلات غير مقبولة، تتحمل فيها أقسام التعمير والرخص التجارية والممتلكات ببلدية الجديدة مسؤولية تاريخية، عندما غضت الطرف عن تحويل الأقواس الخارجية إلى محلات تجارية وخدماتية، والترخيص بتحويل دكاكين لبيع الأسماك إلى مطاعم متخصصة فيها، بإدخال تغييرات على التصاميم الأصلية التي تعود إلى 1932، بل ذلك لم يتوقف لحد الآن، ويدق من خلال ذلك ناقوس الخطر حول لجوء البعض إلى إزالة سواري ودعامات، تحمل عليها سقوف “المارشي” المتهالكة، التي لم تعرف الصيانة منذ زمن ليس بالقصير.ما يفرض باستعجال كبير تشكيل لجنة إقليمية مختلطة، للوقوف على مدى خطورة أشغال البناء المعدلة على سلامة المرتفقين والعاملين بـ “المارشي”، سيما أن شيخوخة البناية التي تقارب التسعين سنة، تفرض صيانة دورية، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ مدة حتى نبتت الطفيليات بسقيفة “المارشي”.ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه لتطاول البعض على ممرات الراجلين، وتحويلها مجالا تابعا لمحلاتهم أمام صمت رهيب من سلطات المقاطعة الإدارية الثانية صاحبة الاختصاص الترابي، ما هيأ ظروفا مواتية لحالة من الفوضى ليس لها مثيل، تولد الانطباع لدى الزوار أننا في “زمن السيبة”، خاصة بتحويل الأرصفة العمومية ضمن ممتلكات خاصة لمتاجر ومطاعم، وحرمان المرتفقين منها مع سبق الإصرار، ودون ردع من سلطات المقاطعة الإدارية الثانية.بيع ” السوارت” في غفلة من البلديةأضحت الوضعية الكرائية للمتعاقدين مع البلدية غير واضحة، في ظل الحديث عن ظاهرة “بيع الساروت” بين المكترين من البلدية ومكترين جدد، وطرح تساؤل عن موقف قسم الممتلكات المفروض فيه صون حقوق الجماعة في مثل هذه الحالات، سيما أن ثمن بيع “السوارت” أضحى بالملايين. تساؤل يحيل بالضرورة على مكترين لم يسددوا ما بذمتهم للبلدية منذ عشرات السنين، وهو ما أضحى يفرض على سلطات الوصاية التدخل على مستوى قسم الجماعات المحلية، لإرجاع الأمور إلى نصابها وتصحيح الوضعية الكرائية المتعلقة بحوالي 120 دكانا بـ “المارشي”، بل هناك من المكترين من عمدوا إلى تغيير البنية المعمارية لـ “المارشي” برمته، بإزالة “حيطان” دكاكين وإدماجها في بعضها، وتحويلها إلى مطاعم تفتقر فيها إلى شروط السلامة الصحية، وفي مقدمتها عدم التوفر على مراحيض ومحلات خاصة بالمستخدمين، وغياب مراقبة طبية دورية للتأكد من توفر العاملين بـ “المارشي” على دفاتر صحية، تؤكد سلامتهم من كل الأمراض المنقولة عبر الأطعمة .
غياب “واد حار”
بعد 92 سنة على بنائه لازال “المارشي” يفتقر إلى الواد الحار، ويعتمد في تصريف مياهه العادمة على حفر وعائية بوسطه تشكل خطرا على المرتفقين، وآخر الحوادث سقوط فرنسية بإحداها. وتبقى مسؤولية ربط “المارشي” بشبكة التطهير السائل، مشتركة بين الجماعة والوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء وتدبير التطهير السائل، بل يبدو من المؤسف أن “المارشي” لا يتوفر على مراحيض، وأن أغلبية الناس يقضون حاجاتهم بالتبول على حيطانه، التي تحولت زواياها إلى مطارح نفايات حقيقية.ويتحمل القسم الاقتصادي بعمالة الجديدة، مسؤولية صون صحة وسلامة المواطنين، سيما ما يتعلق بما يقدم من وجبات ببعض المطاعم غير المتوفرة على أدنى وأبسط المعايير الوقائية ،ومنها جودة الزيوت المستعملة في قلي الأسماك..
ويسجل غياب المراقبة باستمرار، ما شجع على تحول “مارشي سنترال”، إلى محمية للقطط المنتشرة بكثرة وطيور “عوا” الباحثة عن أحشاء الأسماك والنفايات المتراكمة.وضع كهذا لا يسقط المسؤولية التقصيرية، عن قسم حفظ الصحة البلدي الذي يبدو أنه وضع مسافة مع “المارشي” منذ زمن ليس بالقصير، وترك الأمور تتفاقم بشكل رهيب، ما جعل أصواتا تحمل المسؤولية أكثر للمصلحة البيطرية للبلدية، التي على عاتقها القيام بحملات مباغتة لضبط المخالفين وإنزال العقوبات اللازمة في حقهم
.ليل “المارشي”… خمر وعربدة
ليل “المارشي” لا يختلف عن نهاره، فخلاله يتحول “المارشي” إلى مكان مناسب لمعاقرة الخمر وتناول المخدرات وإحداث عربدة مقلقة للجوار، ذلك يأتي نتاج عدم توفر “المارشي” على حارس ليلي، يصون حرمته ويمنع من تحويله ملاذا مفضلا للخارجين عن القانون، فيما ترتفع أصوات مطالبة أمن المدينة بضرورة دوريات مراقبة ليلية، تدخل “المارشي” ضمن جولاتها الأمنية، أملا في تطويق سلوكات مرفوضة بداخله.وفي النهار يسجل المرتفقون طغيان خرق القانون من قبل سيارات وشاحنات ودراجات نارية، تخترق قانون منع الولوج ولا تعير اهتماما للعلامات المشيرة إلى ذلك، رغم وجود مخفر شرطة ببوابة “المارشي”، التي تحتاج خدماته مزيدا من التفعيل، لردع الكثير من السلوكات الضارة بـ “المارشي” بصفة عامة
.مطرح نفايات
يضرب “المارشي” المثل في غياب النظافة ليس فقط بداخله ، بل أيضا بمحيطه الذي تحول في زاويتين مطلتين على شارعي الحسن الثاني وامحمد الرافعي إلى مطرح نفايات حقيقي، تتخلص فيه المتاجر والمطاعم من نفاياتها اليومية، وأيضا يضع فيه جزء من سكان القلعة ودرب الضاية المجاورين نفاياتهم المنزلية، ما ولد الانطباع بوجود تجاوزات فعلية مخلة بالبيئة، ومزعجة أحيانا لجوار “المارشي”، خاصة لمدرسة محمد السادس ولصيدليات وعيادات أطباء ومحلات خدماتية.أين البلدية والسلطة؟لا يمكن وصف الحالة التي أضحى عليها “مارشي سنترال” إلا بـ “الشوهة”، وهي كلمة تختزل واقع الحال بهذه المساحة التجارية التي لها رمزيتها التاريخية، التي أضعفتها سلوكات منحرفة أقل ما يقال عنها “سايبة”، ما يفرض بالضرورة وضع واقع ”المارشي” على أجندة مدبري الشأن المحلي بالجديدة، وأيضا سلطات المقاطعة الإدارية الثانية، للقطع مع كل السلبيات وتصحيح الأوضاع بـ “المارشي”، وإعادته إلى الوضعية الطبيعية التي كانت له، واحدا من المساحات التجارية المتميزة بالجديدة…
الكرة الآن في مربع البلدية والسلطة، فهما معا غائبتان عن تدبير شؤون هذه المعلمة التاريخية.
.إنجاز: عبدالله غيتومي (الجديدة)
تعليقات 0