وادي فليفـل … عمارات بيـن فكـي المـوت

17 سبتمبر 2019 - 12:46 م

مزاكان نيوز _ تحقيق 

وادي فليفـل … عمارات بيـن فكـي المـو

أغرق الجديدة عدة مرات وألحق بمرافقها خسائر ومخاوف من تذكره مجراه

كم هي عنيفة الطبيعة، ومباغتة هذه الأيام في تارودانت وفي الحوز والراشيدية، تسخر في الغالب في هجوماتها المدمرة “وديانا مهجورة” خاصمت مجاريها منذ مدة، بل أضحت منسية من ذاكرة الناس، لكنها عادت لتأخذهم على حين غرة مخلفة مآسي لا عد لها ولا حصر. وادي فليفل من طينة الوديان “الغدارة” التي لا يؤتمن جانبها، بعد غمر الجديدة في 1969 و1996 وتوقف عند مدخلها في 2016 ، وكان دائما مصدر خوف وهلع للسكان المجاورين, الذين يمر بجوار منازلهم.

وادي فليفل مدين في وجوده لضاية كبيرة هي “ضاية ورار” بتراب جماعة امطل بإقليم سيدي بنور. هذه الضاية تتغذى من سيول مائية كلما عرفت منطقة بوشان زخات مطرية عنيفة.

الأصل من بوشان

وفي طريقه نحو مصبه في الجديدة يتقوى منسوب مياه الوادي في المنطقة السقوية العليا من المياه التي تفضل عن عمليات السقي. واعتقد الناس أن الوادي الذي زارهم في 1969 عقب أمطار طوفانية آنذاك لن يرجع مرة ثانية. ولأن الوادي لن ينسى أبدا مجراه ولو خاصمه ردحا طويلا من الزمن، يعود إليه متى كانت التساقطات غزيرة، عاد في 22 يناير من 1996 فجأة أكثر غضبا وشراسة وهدد استقرار المدينة لأزيد من عشرين يوما.
وعندما تفيض أنهار الحوز بشكل شرس، يكون ذلك إيذانا بإمكانية وصول خطر الفيضانات إلى منطقة بوشان التي تصرف فائض مياهها نحو ضاية ورار، ليبدأ شوط جديد لغمر المياه لدكالة، وهو ما يولد الآن انطباعا لدى مهتمين بأن دورة الفيضانات عادت من جديد، لكن بشراسة أكثر.

الوادي والعامل عرفة

لم يتم تفعيل المخطط الإقليمي للكوارث منذ مدة طويلة. وحين عين عرفة عاملا على الإقليم في 1994 خلفا لفريد الوراق، لم يحيطوه علما بواد يزور المدينة دون استئذان، ففاجأه الأمر لما أغرقت المياه حي سيدي موسى وبراريك حسن وخديجة و كليتي الآداب والعلوم والدرك الملكي والوقاية المدنية وملعب العبدي والمخيم الدولي للسياحة والمدرسة الفندقية وشارعي الأمم المتحدة والنخيل.
واضطرت السلطات إلى الاستعانة بأكياس فارغة تم ملؤها برمال البحر، اتخذت متاريس لمنع وصول مياهه نحو درب البركاوي وشارع محمد السادس.
حينها، كانت وسائل الوقاية المدنية متواضعة، واضطر العامل عرفة ومعاونوه إلى ارتداء أحذية بلاستيكية والمشاركة في دوريات بالتناوب على مدار الساعة وسجلت خسائر في الأرواح ونفوق عدد كبير من الماشية وتعطلت حركة المرور في مناطق عديدة اعتبرت منكوبة.
بعدها التزمت الجماعات الترابية التي كان عددها 52 بالمساهمة في تدعيم ثكنة الوقاية المدنية بآليات التصدي للفيضانات وتوفير سيارات إسعاف.

الواد يعطي إشارات

عقب فيضانات 1996 رصدت وزارتا الداخلية والطاقة والمعادن والبيئة ووكالة الحوض المائي مبلغ 7 ملايير سنتيم لتصريف مياه فليفل نحو البحر عبر قناة تحت أرضية بالإسمنت المسلح وقاد المشروع الحسن بوكوتة العامل الحالي لسيدي بنور لما كان مديرا للوكالة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بالجديدة.
ويومها، زف للصحافة خبرا سارا أن الوادي لن يهدد استقرار المدينة، لكن في 2014 قطع الطريق بين الجديدة وأولاد افرج وفي نونبر من 2016 حاصر دوار الخضر والقريوات قرب تيكني ولم تؤخذ تهديداته مأخذ الجد من قبل السلطات والمنتخبين، علما أن إدريس جلولي، مدير الاستثمار الفلاحي لدكالة الذي أشرف على عملية انحراف واد فليفل ناحية امطل في 1996 صرح أنه تم تأمين مخاطر الوادي بنسبة 20 في المائة، دون القضاء عليها نهائيا.

ضاية الفحص إخلال بالتوازن

تقع ضاية الفحص على مساحة 200 هكتار بتراب جماعة أولاد احسين بين الجرف الأصفر ومصور راسو، هي في ملكية المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لدكالة، الذي اقتناها في السابق قصد إحداث سد تلي تتجمع فيه مياه وادي فليفل للحيلولة دون وصولها إلى الجديدة، لكن في 2017 حدثت كارثة بالضاية دون أن يحرك المسؤولون ساكنا، عندما عمدت شركات مناولة تشتغل بالجرف الأصفر كانت بصدد بناء مصانع جديدة بمنصة الجرف إلى إفراغ ردم وبقايا بناء بالضاية، الأمر الذي قلص من مساحتها وقدرتها على استيعاب مياه فليفل، ووصف الاعتداء في حينه على الضاية بأنه أبشع إخلال بالتوازنات الإيكولوجية التي لها ما بعدها على الجديدة.

بناء فوق سرير الوادي

اعتقد مسؤولون أن بإنجازهم قناة تصريف المياه، ودعوا النهر وويلاته إلى الأبد، دون أن يكون لديهم إلمام بسيط بمبادئ الجغرافيا الطبيعية، وغضوا الطرف عن تنامي بناء عشوائي بجوار سرير الوادي.
والأبشع من ذلك تشييد مشروع سكن اجتماعي ووضع سكانه بين فكي الموت قبل أكثر من ست سنوات، دون احترام مسافة الأمان الضرورية التي تشترط أن يبتعد البناء وتوطين السكان من ضفتي النهر والمسطحات المائية على الأقل بمساحة خمسين مترا، درءا لطفوح المياه مع ضرورة بناء جدارات واقية.
ولم يضع الوالي عبد الفتاح البجيوي، الذي كان يترأس لجنة الاستثناءات، في اعتباره سلامة المواطنين، عندما رخص بالبناء على مقربة من الموت، دون استثناء المسؤولية التقصيرية لوكالة الحوض المائي لأم الربيع، المفروض فيها رفض كل مشاريع البناء التي لا تحترم مسافة الأمان الضرورية، وعدم التساهل في غياب الجدارات الواقية التي تدرأ طفوح المياه.

نفايات في النهر

لدى قيامنا بزيارة لمجرى وادي فليفل خاصة على مستوى دوار القريوات ودوار الخضر بتراب جماعة مولاي عبدالله، وقفنا على حجم كارثة من نوع آخر تستدعي تدخلا استعجاليا، تتجلى في اختناق مجرى الوادي، بالنفايات المنزلية، ما قد يدفع النهر إلى التمرد على حالة الاختناق بغمره للمجال المجاور الذي يتكون عادة من سكن عشوائي، لم تحترم فيه أبسط معايير السلامة اللازمة.
وضع تفشى بشكل لم يعد في الإمكان التقليل من حدته أو السيطرة عليه، لدرجة جاز معه القول إن عملية نكس مجرى الوادي أضحت ملحة بشكل كبير ضمن لجنة يقظة إقليمية من جميع الأطراف المعنية بقصد اتخاذ الاحترازات الممكنة، مع التأكد من تجهيزات الوقاية المدنية الضرورية في مثل هذه التقلبات المناخية، وهي تجهيزات تتطلب تدعيما كي تكون مواكبة بشكل فعال، دون حاجة لاسترجاع مأساة 1996 التي اعتمد فيها بشكل كبير على أكياس مملوءة برمال البحر.

إنجاز: عبدالله غيتومي (الجديدة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!